ولما كان رأس السنة الأمازيغية ليس عطلة حكومية، فالاحتفال به يبقى محدوداً سوى عند بعض الأمازيغ التونسيين في الجبال، والذين ظلوا متشبثين بهذه التقاليد.

لا يخلو شهر كانون الثاني/يناير من الاحتفالات والعادات التي تعكس الهوية الأمازيغية خاصة في الدول المغاربية

يحتفل الأمازيغ اليوم وغدا يوم الأربعاء، 12 و 13 يناير/يناير الحاضر برأس السنة الأمازيغية لعام 2971، ويطلق فوق منه تسمية “الناير”، ويتقدم على التعديل الأمازيغي، التنقيح الغريغوري (الميلادي) بـ 950 عاماً.
مصدر الاحتفال

ينقسم المؤرخون بخصوص أصل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى فرقتين، الأكبر يرى أن اختيار ذاك الزمان الماضي من يناير/ يناير يرمز إلى احتفالات الفلاحين بالأرض والزراعة، ما جعلها تُعرف باسم “السنة الفلاحية”.

ويرى الفرقة الرياضية الثاني، أنّ ذاك اليوم، هو ذكرى مكسب الملك الأمازيغي “شاشناق” على الفرعون المصري “رمسيس الثاني” في مصر في الموقعة التي وقعت على ضفاف النيل ﺳﻨﺔ 950 ﻗبل ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ.

يشطب الاحتفال بالسنة الأمازيغية بالمغرب في 13 كانون الثاني/ يناير، ويحط أمازيغ المغرب القصب في الحقول تفاؤلاً بمحصول زراعي جيد؛ ولا تزال مطالباتهم بجعل ذلك اليوم، عطلة رسمية مسألة لم تحسمها حتى الآن السلطات المقصودة في البلاد.

ويرتدي المحتفلون بمناسبة العيد، ملابس حديثة كما يقومون بطهي أطباق متميزة وفي قليل من الأحيان يحلقون رؤوسهم.

وفي دولة الجزائر، يتجول المحتفلون في الأحياء السكنية في 12 كانون الثاني/ يناير (رأس السنة) وهم يرتدون أقنعة على وجوههم ويطلقون الأهازيج المصحوبة برقصات تقليدية في إطار كرنفال تقليدي سنوي يلقب “إيراد”.

كما تتضمّن الاحتفالات أيضاًً، إلقاء محاضرات وأنشطة أكاديمية متباينة تهدف إلى التعريف بالحضارة الأمازيغية وتاريخها وتناقش ايضاًً القضايا المتعلّقة بالأمازيغ ومشاغلهم وثقافتهم ورتبتها في مجتمعاتهم.
طقوس ترافق الاحتفالات

لا يخلو شهر كانون الثاني/كانون الثاني من الاحتفالات والعادات التي تعكس الهوية الأمازيغية خصوصا في الدول المغاربية، ففي جمهورية الجزائر مثلاً تجتمع العائلة لتهيئة أطباقٍ خاصة في هذه الواقعة، مثل طبق “شخشوخة” و”الرشتة” و “بركوكس” إضافة إلى ذلك “التراز” وهو مكوّن من الحلويات والتمر والفواكه الجافة. وكلما تنوّعت الأطباق والمأكولات، زادت السنة خيراً ورزقاً.

وفي هذه الحادثة، يقوم أشخاص الأسرة في وضع الطفل الأصغر وسط “جفنة” أو صينية هائلة ويدورون حوله ويرمون فوق منه “التراز”، اعتقاداً منهم أن ذاك سيزيد من رزق الولد. أما في تونس، فالتقاليد لا تتشبه حسب الأنحاء.

ولما كان رأس السنة الأمازيغية ليس عطلة رسمية، فالاحتفال به يوجد محدوداً سوى لدى بعض الأمازيغ التونسيين في المناطق الجبلية، والذين ظلوا متشبثين بتلك التقاليد.

ويحتفل أمازيغ تونس بترتيب أطباق تقليدية كالعصيدة والكسكس و”تيكربابين”، وتجتمع الأسرة أو القبيلة للاحتفال ثم الصلاة لتصبح السنة الحديثة غزيرة بالأمطار والمحاصيل الزراعية.

أما الليبيون، وبعد سقوط نمط معمر القدافي، ولقد بدأوا يخرجون في احتفالات خاصة برأس السنة في المناطق المأهولة بالأمازيغ، ففي منطقة جبلية نفوسة مثلاً، تغادر السيدات لجمع الأعشاب والنباتات ويعلقنها في أسقف منازلهن كجانب أمامي لبداية سنة زراعية خضراء مملوئة بالوفرة والخصوبة.

وتُسقى الأطباق (وخصوصا الكسكس) بالحليب خلفاً عن المرق لتكون السنة صافية كصفاء الحليب، مثلما أنهم لا ينظّفون الأواني ولا يشعلون النار ليلة رأس السنة.

ويحتفل المغاربة بـ”ينّاير” باجتماع العائلة والأصدقاء بشأن طبق “تاكلا” أو العصيدة، وهو طبق أمازيغي راسخ.

وهناك عائلاتٌ تفضّل إعداد الكسكس والطاجين والبيض المسلوق والفواكه القاحلة، خاصةً في نواحي منطقة سوس.

مثلما تتميز احتفالات “ينّاير” بـ”لعبة أغرمي”، حيث تقوم واحدة من السيدات بإخفاء نواة التمر في نطاق العصيدة قبل تقديمها، ومن يجدها يكون “أسعدي ناسكاس” (أي الواحد المحظوظ ذلك العام).

وفي قليل من الأنحاء المأهولة بالسكان الأمازيغ، يشعل المحتفلون النيران ويرتدون اللباس التقليدي، ويرقص الرجال والنساء إلى وقت متأخر من الليل تفاؤلاً بالسنة الفلاحية الحديثة.
متطلبات بـ”عطلة رسمية”

كانت الجزائر سباقة لإقرار رأس السنة الأمازيغية أجازة حكومية مدفوعة الأجر في عهد الرئيس الفائت، عبد العزيز بوتفليقة. من ناحية أخرى ما زال الكثير من النشطاء الأمازيغ في المغرب وتونس وليبيا يطالبون بالاعتراف بـ”ينّاير” كعطلة وطنية حكومية.

وبعد اعتراف المغرب بالأمازيغية لغة حكومية في قانون 2011، لا زالت متطلبات الاعتراف بـ”ينّاير” من طرف الحقوقيين والنشطاء تُقابَل بالصمت.

وقد جدّد التجمّع الدولي الأمازيغي قبل أيام مطالبه بجعل ذاك اليوم “يوماً وطنياً”، حيث وحط رئيسه، رشيد راخا، برقية عند الديوان الملكي علل فيها أنه “وعلى دومين زيادة عن عشر سنين يشطب مراسلة السلطات التنفيذية المتمثلة في الحكومتين السابقة والحالية والسلطات القانونية التي تتمثل في مجلس الشعب بغرفتيه، من أجل سن قوانين من حالها الاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً وعطلة حكومية مؤدّى عنها، فقط مثل بقية الأعياد والعطلة الأصلية، إلا أننا لم نتلق إلى اليوم أي تفاعل غير سلبي مع هذا المطلب الذي بات مطلباً شعبياً تنتظره كل الفعاليات الأمازيغية والمنظمات الحقوقية وبعض الأحزاب السياسية”.

أما في ليبيا، فالوضع لا يختلف بكثرةً، فبعد الاضطهاد الذي تعرّض له الأمازيغ في عهد معمر القذافي، صارت مطالبهم أكثر إلحاحا منذ سنة 2011.

في تونس، ومنذ الثورة، صارت الفضائيات والمواقع والصحف والمجتمع المدني أكثر انفتاحاً للاعتراف بالهوية الأمازيغية، وقد كان وزير حقوق الإنسان احتفل بـ”كانون الثاني” في 2017 معبراً لمواطنيه الأمازيغ عن تمنياته بسنة قريبة العهد بهيجة، بل أمازيغ ذاك الدولة المغاربي لا زالوا ينتظرون اعتراف دولتهم بالثقافة الأمازيغية كجزءٍ من الهوية التونسية.
من هم الأمازيغ؟

يقطن الأمازيغ شمال أفريقيا، ونستطيع القول أنهم القاطنين الأصليون لهذه المنطقة، إذ يرجع تاريخهم إلى عصر الإمبراطورية الرومانية كحد أدنى. وقد ظلوا هناك منذئذٍ، ولا زالوا محافظين على لغتهم وهويتهم وثقافتهم المتغايرة عن العربية.

وينتشر الأمازيغ في البقعة التضاريس الأرضية الممتدة من المغرب غرباً إلى مصر شرقاً، ومن البحر الأبيض شمالاً إلى نهر النيجر جنوباً. وديانة أغلبهم الإسلام، ولغتهم الأمازيغية بلهجاتٍ محلية متعددة.

ويُقدَّر عدد الأمازيغ في أفريقيا التي بالشمال ما بين 20 إلى 50 1,000,000 نسمة، ويتركز أغلبهم في المغرب والجزائر، عدا عن المغتربين المقيمين في أوروبا الذين تتفاوت أعدادهم بين 2 إلى 4 ملايين نسمة.

وتُسمى اللغة التي يتكلم بها الأمازيغ “تمازيغت”، ولها العدد الكبير من اللهجات الأمازيغية التي تختلف عن بعضها القلة على نحوٍ هائل من إذ نطق المفردات والقواعد، كما أنّ هذه اللهجات ليست مكتوبة، عدا التي يتحاور بها الطوارق.

لكن جامعة تيزي أوزو شمال الجزائر تحاول بعث اللغة المكتوبة مستخدمةً الحروف اللاتينية والعربية، بجانب الحروف البربرية القديمة المسماة بـ “تيفيناغ”.
ما هي أنحاء ومدن توزّع الأمازيغ؟

وينتشر الأمازيغ في المغرب (في شمال البلاد ومنطقة الريف ومناطق جبلية الأطلس)، والجمهورية الجزائرية في (مكان القبايل وشرق البلاد وشمال الصحراء الكبرى)، وفي تونس (جربة وتطاوين وشرق قفصة)، وفي ليبيا (جبل نفوسة وزوارة)، وفي مصر (واحة سيوة)، وفي مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا التي تتنقل عبر حدودها قبائل الطوارق.

ويطلق عليهم كذلكً اسم “البربر” وهناك وافرة نظريات مرتبطة بهذه الكلمة، أحدها تقول إن الكلمة مشتقة من كلمة بارباروس وتعني الأغراب باليونانية. مثلما يطلق الأمازيغ على المغرب اسم تامازغا أو أرض الأمازيغ.

و تنتمي لغة تمازيغت إلى أسرة اللغات الأفرو آسيوية ولها رابطة باللغتين المصرية والإثيوبية القديمة.

ومصدر الأمازيغ من الناحية التاريخية ضائع، فهناك خبراء يقولون إنهم جاءوا من دولة اليمن العتيق وسافروا إلى أفريقيا عبر البحر. وهنالك رأي آخر يرى أنهم على الأرجح جاءوا من أوروبا أو أنحاء البحر الأبيض القديمة.

والأمر المنفرد المؤكد هو أن الأمازيغ موجودون شمال القارة الأفريقية قبل أي شعبٍ آخر تذكره كتب التاريخ. وعبر مئات الأعوام قاوم الأمازيغ عملية التعريب التام للغتهم وثقافتهم.
ومن أبرز الأسماء في تاريخ الأمازيغ:

جوجورثا: ملك نوميديا الذي هزمه الرومان 111 قبل الميلاد

الكاهنة: خاضت حرباً ضد العرب في القرن الـ 7 ميلادي

القديس أوغسطين: أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية

ابن بطوطة: الرحالة والكاتب والمؤرخ الذي عاش في القرن الـ 14

محمد عبد الكريم الخطابي: قائد أمازيغ الريف في المغرب في أوائل القرن الماضي والذي دخَل حرباً في مواجهة الإسبان

معطوب الوناس: موسيقي وناشط أمازيغي قتل عام 1998